باماكو: باريس و النقرة صراع من أجل الهيمنة والبقاء.. فأين سينتهي المطاف؟

 يقوم الرئيس التركي حاليا بجولة لبعض الدول الإفريقية شملت آنغولا وتوغو  وفي العاشر من سبتمبر 2020 حطت طائرة تركية تُقِلُّ وزير الخارجية التركي "  لجمهورية مالي، ليكون الوزير التركي هو أول مسؤول أجنبي رفيع يصل إلى البلاد بعد مرور شهر واحد على انقلاب 18 أغسطس الذي أطاح بالرئيس السابق "إبراهيم بوبكر كايتا"، وفي حين أن جولة الوزير التركي التي شملت دولا أخرى في الغرب الأفريقي مثل "غينيا بيساو" و"السنغال" مُثيرة لحفيظة خصوم أنقرة في المنطقة، مَن اعتبروا الموقف التركي خطوة سريعة تُضفي الشرعية على الانقلاب المالي، خاصة وقد التقى أوغلو فيها بقادت الانقلاب بمالي

يميل الموقف التركي الداعي إلى الدخول في حوار مع "السلطة الانتقالية" في مالي تضاربا حادا مع الموقف الفرنسي المُندِّد بهذا الانقلاب، الذي مَثَّلَ ضربة قوية لعمليات فرنسا العسكرية والاستخباراتية في الساحل الأفريقي، ورغم أن تعزيزَ العلاقات الاقتصادية والسياسية في بلد غني بالموارد الطبيعية قد يكون له دور في جذب الأتراك السريع للتحرُّك نحو مالي، فإن الموقف التركي قد اعتُبر من قِبَل الفرنسيين تحديا لهم، ففي بلد مثل النيجر مثلا سعت تركيا كما أسلفنا إلى تقويض الهيمنة التجارية لشركة الطاقة النووية الفرنسية أريفا في مجال التعدين، حيث يمتلك الفرنسيون حصة 63% من أحقية تشغيل مناجم اليورانيوم هناك، كما شرعت في تكثيف دبلوماسية المساعدات والإغاثة التقليدية عبر شحنة تقدر بـ 6 أطنان من المساعدات الطبية لمواجهة "كوفيد-19" أرسلتها أنقرة إلى البلاد.

 

فرنسا اصبحت متأكدت على أن أي تحرُّك تركي في غرب أفريقيا كونه خطرا قادرا على إفساد المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لها هناك، ففي المستعمرات الفرنسية السابقة يتسع النفوذ التركي بالتدريج في وقت تواجه فيه باريس نموا كبيرا في المشاعر المُعادية لها من قِبَل شعوب دول الساحل الخمس (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر)، والغرب الأفريقي عامة، وذلك بالأساس بسبب الإصرار الفرنسي على الاحتفاظ بحق التدخُّل العسكري واللوجستي في المنطقة تحت ذريعة ما تصفه بـ "مكافحة الإرهاب"، فهي تقود عملية "سرفال" (Serval) منذ عام 2013 في مالي، وعملية "برخان" منذ عام 2014 في منطقة الساحل الأفريقي. لذلك، يرى كثير من الأفارقة أن توسُّع النشاط العسكري الفرنسي واستدامته يقابله استمرار شبه حتمي للفساد في الطبقات السياسية الداخلية لدولهم، مما يُساهم في تصاعد العنف المسلح ويُفاقم من الأزمة الأمنية التي أدّت إلى خسارة آلاف المدنيين لأرواحهم في الهجمات المسلحة المتصاعدة، خاصة أن الجماعات العنيفة العاملة هناك تتخذ من محاربة الوجود الفرنسي والغربي عموما ذريعة دائمة للاستمرار.

 

إضافة تعليق جديد

ثلاثاء, 19/10/2021 - 16:34