التعليم أولا / النهاه ولد أحمدو 

ما إن تم الإعلان عن سنة 2015 سنة للتعليم من طرف السلطات العليا للبلد ، حتى استبشر الجميع يومها خيرا و امتلأت النفوس أملا ، لما يعنيه اصلاح هذا القطاع من نهضة شاملة ، على جميع المستويات و ما لذلك من انعكاس إيجابي على مختلف القطاعات الأخرى ، لارتباطها الوثيق بالعملية التعليمية ، التي يتوقف عليها نجاح هذه القطاعات في مهامها كل حسب اختصاصه .

 

  و ما إن انقشع غبار هذا الإعلان ، و تفاجى دخان وقعه اللا مؤثر ، و خبت الدعاية المروجة له من كل المنابر ، حتى ظهر أنه مجرد إعلان فارغ المحتوى ، انعكست فيه الدلالات و اختلطت المفاهيم ، و تحتم على المتتبع المهتم بقراءة معانيه و دلالاته الرجوع إلى أكثر من قاموس و معجم ، ليدرك حقيقة ما ينسب إلى الوزارة المكلفة بتجسيده من تهذيب ، و يتأكد أن أكثر المرادفات مطابقة لهذا التهذيب هي :

 

 1-- التعذيب : و يتجلى هذا المفهوم فيما يعانيه موظفو القطاع الميدانيين ، من تحويل تعسفي و زبوني و حرمانهم من أبسط حقوقهم المادية و المعنوية ، حيث قال الوزير آنذاك في برنامج " الحكومة في ميزان الشعب" إنه يكفي المعلم من تحسين ظروفه المعيشية وجود دكان من دكاكين برنامج أمل بالقرية التي هو فيها . ناسيا أن المعلم و الدكان يعملان بنفس الدوام ، و بالتالي لا وقت لديه للوقوف في طابوره الطويل الممل و المضيع للوقت ، و أردف الوزير قائلا : إن المعلم ليس جديرا بالاحترام ، لمظهر هندامه الذي يظهر به أمام التلاميذ .

 

2-- التخريب : الذي بدأ ينخر جسم العملية التعليمية في الصميم ، بعد إسنادها لمتعاقدين عاجزين أصلا عن صياغة و كتابة طلبات تعاقدهم تعبيرا و إملاء ، و اعتماد مناهج تعليمية لا تلبي حاجة للمتعلم ، و تحتاج إلى أكثر من إصلاح لتتماشى مع متطلبات العصر و تطورا ته ، كما تم تطبيق أساليب تعليمية بطرق ارتجالية غير محضر لها ، أربكت المعلم و المتعلم و المشرف على حد سواء .

 

3-- التغريب : الذي يتجلى في السماح لمدارس حرة أجنبية غير مراقبة ، باعتماد مناهج لا تطابق المنهاج الوطني ، ليجد مرتادها - مكرها لا بطلا - نفسه غريبا ثقافيا و أخلاقيا في وطنه ، لتشبعه بثقافة و أخلاق قوم آخرين .

 

 4-- التسييب : فمن ذا ينكر وجود أعداد معتبرة من أطر و عمال قطاع التهذيب ، بشتى أصنافهم و رتبهم يمارسون أنشطة لا علاقة لها بالقطاع ، في الوقت الذي يتمتعون فيه برواتبهم و علاواتهم و امتيازاتهم كاملة أو تزيد ، و يتم غض الطرف عن هؤلاء عمدا ، ليبلغ بهم التسيب و إلغاء الحبل علي الغارب أعلى درجاته ، حين يمارسون أنشطتهم خارج الوطن في إجازات مفتوحة و معوضة .

 

5-- التسريب : آخر مسمار يدق في نعش التهذيب ، ليبدأ الحصاد الحتمي للسياسات الفاشلة المنتهجة في التعليم ، و تتلاشى آمال الأمة الموريتانية في الحصول على أجيال متعلمة ، تحمل مشعل التقدم و الازدهار ، لكسب رهان البقاء وسط عالم لا يعترف بالفاشلين ، و لا مكان فيه للجهلاء ، ليتأكد أن إصلاح التعليم يتطلب أكثر من إعلانات جوفاء .

 

اليوم و على بعد عقد من إعلان سنة 2015 ، و بعد "فطام" المدرسة الجمهورية و إضافة إصلاح النظام التعليمي إلى التهذيب الوطني في تسمية الوزارة المكلفة بالقطاع ، و رغم تطبيق الكثير من المقاربات و برامج الإصلاح المزعوم ، و تضاعف المخصصات المالية للتسيير و الإنفاق ، يجمع المهتمون بالشأن التربوي في البلاد أن مؤشر تردي القطاع ، بلغ ذروته متجليا ذلك في تذبذب السياسات و سوء المخرجات و تدني نسب النجاح في المسابقات الوطنية ، و كثرة تظلم الموظفين و تفشي الفساد الإداري و المالي ، فهل سيشكل ما يشاع - إن صح - من منح الرئيس لقب ( رئيس التعليم) طوق نجاة للقطاع ؟ 

 

النهاه ولد احمدو 

 

46442289

إضافة تعليق جديد

اثنين, 15/09/2025 - 18:57